خطبة بعنوان: “الانتماء وحب الأوطان من الإيمان”، لفضيلة الشيخ عبد الناصر بليح، بتاريخ 6 محرم 1438، الموافق 7 أكتوبر 2016هـ
خطبة بعنوان: “الانتماء وحب الأوطان من الإيمان“، لفضيلة الشيخ عبد الناصر بليح، بتاريخ 6 محرم 1438، الموافق 7 أكتوبر 2016هـ.
لتحميل الخطبة بصيغة word أضغط هنا
لتحميل الخطبة بصيغة pdf أضغط هنا
ولقراءة الخطبة كما يلي:
الحمد لله رب العالمين .. يارب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك ولك الحمد حمداً كثيراً طيباُ مباركاً فيه .. الحَمْدُ للهِ الكَرِيمِ المَنَّانِ، الذِي مَنَّ عَلَينَا بِنِعْمَةِ الإِيمَانِ، وَالأَمْنِ فِي الأَوطَانِ، وَالعَافِيَةِ فِي الأَبْدَانِ، أَحْمَدُهُ سُبْحَانَهُ بِمَا هُوَ لَهُ أَهلٌ مِنَ الحَمْدِ وَأُثْنِي عَلَيْهِ، وَأُومِنُ بِهِ وَأَتَوكَّلُ عَلَيْهِ، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ”
وَأَشْهَدُ أَن لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ في سلطانه ولي الصالحين ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، وَصَفِيُّهُ مِنْ خَلْقِهِ وَخَلِيلُهُ، سَأَلَ رَبَّهُ الأَمْنَ فِي الوَطَنِ، وَدَفْعَ الفِتَنِ وَالمِحَنِ، مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ، -صلى الله عليه وسلم- وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ الأَخْيَارِ مِنَ المُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بإِحْسَانٍ إِلَى دَارِ القَرَارِ.
أما بعد فيا جماعة الإسلام :
يقول الله تعالي : “وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ “( الأنعام / 153).
أخوة الإيمان : حديثنا إليكم اليوم عن موضوع هام مهما تحدثنا عنه فلم يكفينا وقت ولم نعطه حقه ألا وهو:
حب الوطن من الإيمان
هي كلمة مأثورة حكيمة، جارية على ألسنة عامة الناس وخاصتهم من عقلاء ومفكرين، وحكماء ومثقفين، وهي بالنسبة للمسلم ذات معنى كبير، ومغزى عميق.
ذلك أنها تعني أولا الوطن الذي ولد فيه آباء المرء وأجداده، وينتسبون إليه وينتمون أبا عن جد، وخلفا عن سلف، ويرتبطون بأرضه ارتباط الولاء والإخلاص والوفاء له، والتعلق به والجهاد في سبيله، والتضحية من أجله بكل نفيس وثمين طيلة قرون وأجيال.
كان حب الوطن من الإيمان، وكانت هذه العبارة المأثورة الحكيمة كلمة صدق وحق في مبناها ومعناها، بغض النظر عن كونها ليست حديثا نبويا صحيحا في لفظها ونصها، وكانت كلمة حق في نطقها ومضمونها، لأن وطن المسلم بلد للإسلام، وأرض للتوحيد والإيمان، ومجال لصالح الأعمال، فحبه هو في الحقيقة والعمق حب لدين الإسلام، ولغة القرآن، ولشرعه السمح الحكيم، ولأخلاقه وقيمة المثلى، وفضائله ومثله ا لعليا، وحب لأمته ا لمسلمة المؤمنة،المجاهدة في سبيل دينها وعزتها وكرامة وطنها، الصامدة في الحفاظ على سيادتها ووحدتها، الساعية في تحقيق النهضة الشاملة لبلادها وشعوبها في كل مجال.
أيها الأحباب :
حب الوطن من الإيمان كلمة حق وصدق يراد بها الإخلاص والتجرد والانتماء والتضحية ..
فموطن الإنسان منا أحب إليه من نفسه وولده وأغلي عنده من ماله وكل ما يملك لذلك عد رسول الله صلي الله عليه وسلم الذي يموت في سبيل الدفاع عن أرضه من الشهداء وقرنه مع الدفاع عن النفس والمال والعرض والأهل .. ” من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد، ومن قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد “. ( أبو داود والنسائي والترمذي وصححه، وأحمد). و عن سعيد بن زيد، وسنده صحيح :”من قتل دون مظلمته فهو شهيد ومن قتل دون أرضه فهو شهيد”.
ولما خرج رسول الله صلي الله عليه وسل مهاجراً من مكة إلى المدينة كما روي عنه :”وقف علي الحزورة(سوق) ونظر إلى البيت وقال :”والله إنك لأحب أرض الله إلي وإنك لأحب أرض الله إلى الله ولولا أن أهلك أخرجوني ما خرجت منك”(الترمذي والنسائي ). ورغم فساد أهلها وظلمهم له ومحاربتهم لدعوته ولكن الرسول صلي الله عليه وسلم يعطينا درساً في الانتماء فيقول في رواية أخري :” ما أطيبك من بلد وأحبك إلي ولولا أن قومي أخرجوني منك ما سكنت غيرك – قاله لمكة . (الترمذي).
وهذا يشير إلى مدي حب رسول الله صلي الله عليه وسلم لبلده مكة المكرمة موطن ولادته ونشأته وفيها البيت الحرام ولأنها منزل الوحي ولأن بها الأهل والأقربين ولأن بها مآثر إبراهيم.(خاتم النبيين2/5).
والرسول صلي الله عليه وسلم كان حين يذكر أحد الصحابة مكة أمامه تذرف عيناه بالدمع ويقول له :”دع القلوب تقر” فهو عندما خرج من مكة خرج حزيناُ مكلوماً فبشره ربه قائلاً ” إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَىٰ مَعَاد “(القصص/85). جاء في تفسير القرطبي أن النبي لما خرج من مكة مهاجراً فبلغ الجحفة اشتاق إلى مكة فأوحى الله إليه هذه الآية.
ولما أصبحت المدينة هي دار دولة الإسلام أحبها كما أحب مكة ، فإذا كان في سفر فاقترب من المدينة أسرع في سيره كما ذكر البخاري في صحيحه أنه إذا كان في سفر فأبصر المدينة أوضع راحلته أي أسرع , يقول ابن حجر في شرحه فتح الباري لشرح صحيح البخاري وفي الحديث دلالة على مشروعية حب الوطن والحنين إليه ..
انظروا إلى بلال رضي الله عنه وهو عبد حبشي كان يسكن مكة ولما هاجر كان يحن إليه وهي الأرض التي عذبته..
ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة * بفخ وحولي إذخر وجليل
وهل أرِدَّن يوماً مياه مجنة * وهل يبدون لي شامة وطفيل
فقال صلى الله عليه وسلم : لما رأى أصحابه من المهاجرين يشتاقون إلى بلدهم دعا الله ” اللهم حبب إلينا المدينة كما حببت إلينا مكة وأشد حبا” .
ولا عجب فحب الوطن من الإيمان وقديما قال الحكماء :”الحنين من رقة القلب ورقة القلب من الرعاية والرعاية من الرحمة والرحمة من كرم الفطرة وكرم الفطرة من طهارة الرشدة(أي صحة النسب) وطهارة الرشدة من كرم المحتد(أي الأصل )وقال أخر:”ميلك إلى مولدك من كرم محتدك “
وقال بعض الفلاسفة:”فطرة الرجل معجون بحب الوطن”ولذا قال أبقراط :يداوي كل عليل بعقاقير أرضه فان الطبيعة تتطلع لهوائها وتنزع إلى غذائها. وقالت الهند:حرمة بلدك عليك كحرمة أبويك لأن غذائك منها وأنت جنين وغذاءهما منه” وقال أخر:من إمارات العاقل بره لإخوانه وحنينه لأوطانه ومداراته لأهل زمانه.وكانت العرب إذا غزت وسافرت حملت معها من تربة بلادها رملا وعفرا(ترابا) تستنشقه عند نزلة أوزكام أو صداع”(الحنين إلى الأوطان لأبي عثمان : عمر بن ). لذلك كانت السيدة عائشة رضي اله عنها دائماً تقول :”ما رأيت القمر أبهي ولا أجمل مما رأيته في مكة”وذلك كناية علي حبها وعشقها وشدة حنينها للوطن..
أخوة الإيمان والإسلام :
والحب يقتضي الانتماء والتعلق بالأوطان والمحافظة عليها وصيانتها وبذل النفيس الغالي من أجلها وفي سبيل رفعتها وبقائها ورفع رايتها عالية خفاقة فالانتماء ، كلمة معناها عظيم..وهذا الانتماء علي عدة أضرب منها الانتماء للدين والانتماء للوطن و للأسرة والأهل و للأرض .
الانتماء للدين :
فلنبدأ بالدين فالدين من أولويات الأمور وأهمها ،ولابد أن نعرف ما هو تفسيرنا للانتماء إلى دين معين ؟هل هو مجرد تصنيف يكتب في البطاقة أو في شهادة الميلاد ؟هل هو فقط لتحديد مواعيد أعيادنا ؟هل هذا هو الانتماء الديني أم إن هذا الانتماء يفرض علينا واجبات كثيرة ؟ إلا يفرض علينا أن نكون سفراء لديننا ، أن نتعلمه ، أن نعرف واجباتنا و الفروض ، أن نتبعه ،أن ننشره ،أن نحافظ عليه ، هل كل من تباهى بانتمائه هو بالفعل منتمى ، أم إن هناك ما يفرضه علينا ذلك الانتماء ، أين نحن الآن من الانتماء إلى ديننا ، و ما هو مفهوم هذا الانتماء؟” قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ” (الأنعام /162).
إذا كنّا نعتقد أن الله سبحانه وتعالى الإله الواحد المستحق للعبادة ، خالقنا وخالق كل شئ، قد ارتضى لنا الإسلام خاتم الديانات ديناً ومحمداً نبياً ورسولاً .. يعني هو الدين حتى تقوم الساعة،، وبما أنه موحى به من الخالق، فلا يستقيم أن نقول أن هناك أمور طرأت تستلزم ترك النصوص جانباً -على سبيل المثال- لأن النصوص لا تلائم العصر! فالدين الإسلامي بتعاليمه السمحة صالح لكل زمان ومكان ..وقد تعجب كل العجب عندما تتحدث مع بعض الناس عن زمن الصحابة يسارع في الرد عليك قائلاً ليس زمانه يامولانا .. وهو لايعلم أن الدين والشرع صالح لكل زمان ومكان .. فالانتماء للدين قبل كل شيء فمن لم ينتمي لدينه ومن هو جاحد لدينه فلن يتعلم الانتماء للوطن وحب الوطن ..
من أجل ذلك تحمل الرسول صلي الله عليه وسلم ومن معه من المسلمين الأوائل الصعاب والمشاق في سبيل نشر الدين الإسلامي وتعرضوا لأشد أنواع العذاب والتنكيل .. حتى أن المسلم كان يأتي لرسول الله صلي الله عليه وسلم يشكو قسوة التعذيب ..كما روي أن خبابا يقول : أتيت النبي صلى الله عليه و سلم و هو متوسد ببردة و هو في ظل الكعبة و قد لقينا من المشركين شدة فقلت :ألا تدعوا الله ؟فقعد و هو محمر وجهه فقال : قد كان من كان قبلكم ليمشط بأمشاط الحديد ما دون عظامه من لحم أو عصب ما يصرفه ذلك عن دينه و يوضع المنشار على مفرق رأسه باثنين ما يصرفه ذلك عن دينه و ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت ما يخاف إلا الله عز وجل ] زاد بيان :” و الذئب على غنمه “و في رواية “و لكنكم تستعجلون “(انفرد به البخاري دون مسلم).
الانتماء للوطن :
أخوة الإيمان والإسلام
والنوع الثاني هو الانتماء للوطن ويأتي في المنزلة الثانية مباشرة للانتماء للدين والعقيدة وقبل الحديث عن حب الوطن والانتماء إليه نطرح عدة أسئلة لعلنا أن نجد الإجابة عليها من خلال حديثنا إليكم اليوم ؟
هل الانتماء للوطن هو مجرد تحديد الرقعة الجغرافية ؟ هل هو مجرد تحديد لشكل العلم الذي سأحمله في مباريات كرة القدم؟ هل نعتبر من هم خارج الوطن أقل انتماءً لأنهم تركوه أم قد يكونوا أكثر انتماءً ممن يعيشون داخل حدود الوطن و يخربونه ؟ من منهم أكثر انتماءً؟ هل كل من قال أنا وطني ، ينطبق عليه شروط الانتماء ؟ ما هو مفهوم الانتماء إلى الوطن ؟
وللإجابة علي كل هذه الأسئلة نقول :
بأن انتمائنا لوطن معين يفرض علينا واجبات كثيرة :
فالانتماء ليس فقط لتحديد جنسية في خانة الجنسية لتكملة شهادة الميلاد أو البطاقة ، اعتقد أن كلمة انتماء لها معاني عميقة ، و هي تعنى الكثير ، اعتقد أنها تعنى الإحساس بحب الوطن و الرغبة في الدفاع عنه و التباهي بالانتماء إليه مهما حدث ، التضحية من أجله ، الانتماء للوطن هي أن نربى أبنائنا على حب الوطن ، على معنى كلمة الوطن .. الانتماء للوطن ، هو التعرف على تاريخه ، على حضارته و المساهمة في بناء مستقبله .. اعتقد أننا افتقدنا المعنى الحقيقي للانتماء و ضاع الانتماء مع معاني أخرى كثيرة ضاعت. ويعد مفهوم الانتماء الوطني من المفاهيم العالمية المهمة في عالمنا المعاصر الذي أصبح من المفاهيم المتكررة في وسائل إعلامنا وفي محاضراتنا وندواتنا بل أصبح مفهومًا رئيسًا في حياتنا العامة ..
أخوة الإيمان والإسلام:
وإذا أردنا أن نعرف معني كلمة وطن ؟
فإن الوطن هو بضع أحرفٍ تُكوّن كلمةً صغيرةً في حجمها، ولكنّها كبيرة في المعنى؛ فالوطن هو بمثابة الأمّ والأسرة، وهو الحضن الدّافئ لكلّ مواطنٍ على أرضه، وهو المكان الذي نترعرع على أرضه، ونأكل من ثماره ومن خيراته، فمهما ابتعدنا عنه يبقى في قلوبنا دائماً. هو الأرض التي نبت فيها الإنسان وترعرع، والسّماء التي أظلّته، والهواء الذي يتنفّسه، والماء الذي يشربه، والخير الذي يأكل منه. وقد تغنّى الشّعراء بحبّ الوطن، فقال أحد الشّعراء: وطنى نشأت بأرضه ودرجت تحت سمائه ومنحت صدري قـوةً بنسيمه وهوائه ماء الحياة شربته لمّا ارتويت بمائه وملأت جسمى عزة حين اغتذى بغذائه ولذلك يجب أن نحافظ على وطننا بالدّفاع عنه وقت الخطر، وحمايته من كيد الأعادي، وفي وقت السّلم نعمل مخلصين لرفع علم بلادنا عالياً، وفي الحرب نهبّ للدّفاع عن الوطن ونقدّم أرواحنا فداءً له.
قال أمير الشعراء أحمد شوقي :
وطني لو شغلت بالخلد عنه ***نازعتني إليه في الخلد نفسي.
حب الوطن فطرة وغريزة :
يُولد حبّ الوطن مع الإنسان، لذلك يُعتبر حبّ الوطن أمراً فطريّاً ينشأ عليه الفرد؛ حيث يشعر بأنّ هناك علاقةً تربط بينه وبين هذه الأرض التي ينمو ويكبرُ في حضنها. وحبّ الوطن ليس حكراً على أحد؛ حيث أنّ كلّ فردٍ يعشق ويحبّ وطنه، وديننا الإسلاميّ يحثّنا على حبّ الوطن والوفاء له، ولعلّ أكبر مثال نورده في هذا الموضوع، حين أجبر رسولنا الحبيب – صلّى الله عليه وسلّم – على فراق وطنه الغالي مكّة، فعندما خرج منها مجبوراً قال:” ما أطيبكِ من بلد، وأحبَّكِ إليَّ، ولولا أنّ قومك أخرجوني منكِ ما سكنتُ غيركِ “؛ فمن كلام رسولنا الكريم يتبيّن لنا واجبُ الحبّ الذي يجب أن يكون مزروعاً في قلب كلّ شخصٍ تجاه وطنه، سواءً أكان صغيراً أم كبيراً. ويعتبر حبّ الوطن رمزاً، وفخراً، واعتزازاً؛ لذلك يجب علينا أن ندافع عنه ونحميه بكلّ قوّة، وأن نحفظه كما يحفظنا، وأن نقدّره لتوفيره الأمن لنا، فلهذا الوطن حقوقٌ يجب على كلّ فرد أن يلتزم بها ما دام يعيش فيه، ويأكل ويشرب من خيراته، ومن هذه الحقوق: المحافظة عليه، وحمايته من كلّ شرّ، والارتقاء به إلى أعلى المراتب، والمحافظة على نظافته، وحماية ممتلكاته العامّة، وأن نفديه بأرواحنا في حال تعرّض لأيّ خطر. قال الشّاعر في حبّ الوطن: بدم الأحرار سأرويه وبماضي العزم سأبنيه وأشيّده وطناً نضراً وأقدّمه لابني حُرّاً فيصون حماه ويفديه بعزيمة ليث هجّام. ومن واجب الدّولة أيضاً أن تحافظ على الوطن وتحميه، وأن تعدّ له الجيل القويّ المتين، عن طريق إعداد الشّباب، وتدريبهم، وتعليمهم؛ فهم الحامي الأوّل والرّاعي له. وبالإضافة إلى ذلك فإنّ للوطن حقوقاً على الآباء والأمّهات؛ حيث يتوجّب عليهم أن يعلّموا أبناءهم حبّ الوطن، وأن يغرسوا في قلوبهم القيم والمبادئ التي عليهم إتباعها، ويجب أن يحرصوا على بناء أولادٍ أقوياءٍ أصحّاء، جاهزين لخدمة الوطن في أيّ وقتٍ كان. ولو نظرنا إلى تاريخنا لرأينا الكثير من الأبطال والمجاهدين الذين سقوا أرضهم بدمائهم، للدّفاع عنها، وتحريرها من الاستعمار، فكلّ هذا نابعٌ من حبّ الوطن والتّضحية من أجله بالدّماء والأرواح، فلا يمكن التّهاون مع من يسرق الأوطان ويستعمرها، وليس علينا أن نخاف إذا قمنا بإنشاء جيلٍ يضحّي بكلّ ما يملك من أجل الوطن، فهو تاريخنا، وحاضرنا، ومستقبلنا الذي سيصنع أمجادنا، ويسطّرها على مرّ الزّمان. تعبير عن حبّ الوطن.
أخوة الإيمان والإسلام :
فحبّ الوطن، والالتصاق به، والإحساس بالانتماء إليه، هو شعور فطريّ غريزيّ، يعمّ الكائنات الحيّة، ويستوي فيه الإنسان والحيوان، فكما أنّ الإنسان يحبّ وطنه، ويألف العيش فيه، ويحنّ إليه متى بعد عنه.
ولأنّ حبّ الإنسان لوطنه فطرة مزروعة فيه، فإنّه ليس من الضّروري أن يكون الوطن جنّةً مفعمةً بالجمال الطبيعيّ، تتشابك فيها الأشجار، وتمتدّ على أرضها المساحات الخضراء، وتتفجّر في جنباتها ينابيع الماء، لكي يحبّه أبناؤه ويتشبّثوا به، فقد يكون الوطن جافّاً، أرضه جرداء، ومناخه قاسٍ، لكنّ الوطن رغم كلّ هذا، يظلّ في عيون أبنائه حبيباً، وعزيزاً، وغالياً، مهما قسا ومهما ساء.
ولكن هل الوطن يعرف حقيقة حبّ أبنائه له؟ هل الوطن يعرف حقاً أنّه حبيب، وعزيز، وغالٍ على أهله؟ إنّ الحبّ لأيّ أحد أو أيّ شيء لا يكفي فيه أن يكون مكنوناً داخل الصّدر، ولابدّ من الإفصاح عنه، ليس بالعبارات وحدها وإنّما بالفعل، وذلك كي يعرف المحبوب مكانته ومقدار الحبّ المكنون له. والوطن لا يختلف في هذا، فهو يحتاج إلى سلوك عمليّ من أبنائه، يبرهن به الأبناء على حبّهم له، وتشبّثهم به.
وإذا كان حبّ الوطن فطرةً، فإنّ التّعبير عنه اكتساب، وتعلّم، ومهارة، فهل قدّمنا لأطفالنا من المعارف ما ينمّي لديهم القدرة على الإفصاح عمليّاً عن حبهّم لوطنهم؟
هل علّمناهم أنّ حبّ الوطن يقتضي ان يُبادروا إلى تقديم مصلحته على مصالحهم الخاصّة؟ فلا يتردّدوا في التّبرع بشيء من مالهم من أجل مشروع يخدم مصلحته، أو أن يسهموا بشيء من وقتهم، او جهدهم، من أجل إنجاز مشروع ينتفع به، هل علّمناهم أنّ حبّ الوطن يعني إجبار النّفس على الالتزام بأنظمته، حتّى وإن سنحت فرص للإفلات منها، والالتزام بالمحافظة على بيئته ومنشآته العامّة، حتّى وإن رافق ذلك مشقّة؟ هل دربّناهم على لأن يكونوا دائماً على وفاق فيما بينهم، حتّى وإن لم يعجبهم ذلك، من أجل حماية الوطن من أن يصيبه أذى الشّقاق والفرقة؟ إنّها تساؤلات إجابتها الصّادقة هي معيار أمين.
تجد بعضنا يجهر بحب بلده ثم يسرق مقدراته أو يفسد فيه يجب أن نعلم أبناءنا كل السلوكيات التي تنبثق عن حب الوطن وأنها ليست مسيرة أو شعار بل فعل وممارسة وعندما قال القائل ارفع راسك فأنت مصري ، يجب أن نترجمه الى عمل وفعل ، فالطالب الذي يخرب في مدرسته فيتلف ممتلكاتها العامل الذي يضرب عن عمله ويعطل إنتاجه ، المتنزه الذي يلقي نفاياته في طريق الناس وأماكن جلوسهم راكب السيارة الذي يلقي علبة العصير من النافذة أو ربة البيت التي تلقي النفايات في الشارع ، الموظف الذي لا يلتزم بوظيفته ولا يخدم الناس ، المعلم الذي لا يخلص لوظيفته ولا يشعر بالمسؤولية عن طلابه ، رب الأسرة الذي لا يقوم بواجب أبنائه ورعايتهم وتأديبهم وتأمين عيشهم الكريم ، الأستاذ الجامعي الذي لا يرتقي بطلاله ولا يحفز الإبداع والتفوق فهيم ، الشيخ الذي لا يغرس القيم النبيلة بين الناس بفعله ويقول أيها الأخوة أنظروا إلى إبراهيم عليه السلام وهو يقول”رب اجعل هذا بلداً آمناً وأرزق أهله من الثمرات ” هذا انتماء للوطن ونلحظ هنا أنه قدم الأمن على الرزق وهي التفاتة طيبة نوجهها للذين من أجل لعاعة من الدنيا يخرجون ويضربون ويعطلون مصالح الناس .
الانتماء العائلي و الأسرى:
الانتماء العائلي و الأسرى ، هل الانتماء العائلي هو مجرد أن ينتهي اسمي بلقب ، و أن يتباهى البعض بهذا اللقب ، أنا من عائلة فلان و أنا من عائلة علان ، أم انه لقب ليكتب في النعي ،
اعتقد أن الانتماء العائلي ليس فقط أن أحمل لقب ، و لكن هو على الأقل أن أكون على صلة بأفراد عائلتي ، أن اسأل عنهم أن احترمهم ، كم من بشر يتباهون إنهم من تلك العائلة و هم لا يعلمون حتى أشكال أفرادها ، هل هذا يعتبر انتماء ، اعتقد انه من أولى مبادئ الانتماء هو أن نعلم أولادنا معنى الأهل و الأسرة و العائلة ، أن يرى الأطفال أهلهم يسألون عن أقاربهم و يصلون أرحامهم ، أن يرى الأطفال أهله يحترمون أهلهم ، الانتماء هو أن نعلم أطفالنا معنى العائلة و إن نعرفهم من هي عائلتهم حتى و أن كانوا يعيشون في بلد أخر ، أليس هذا هو الانتماء أم إن هناك مفهوم أخر.
اعتقد أننا افتقدنا المعنى الحقيقي للانتماء و ضاع الانتماء مع معاني أخرى كثيرة ضاعت. ويعلمنا الإسلام كيف الانتماء للأقارب وليس التعصب الأعمى فقال عنها الرسول صلي الله عليه وسلم :” إن الرحم شجنة آخذة بحجزة الرحمن يصل من وصلها ويقطع من قطعها “. ( صحيح ) . (و شجنة بتثليث الشين المعجمة : الشعبة من كل شيء كما في المعجم الوسيط . وفي الترغيب وقال أبو عبيد : يعني قرابة مشتبكة كاشتباك العروق والحجزة بضم الحاء المهملة : موضع شد الإزار من الوسط . ويقال : أخذ بحجزته : التجأ إليه واستعان به كما في المعجم). وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلا قال يا رسول الله إن لي قرابة أصلهم ويقطعوني وأحسن إليهم ويسيئون إلي وأحلم عليهم ويجهلون علي فقال:” إن كنت كما قلت فكأنما تسفهم المل ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك “( مسلم(.
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ، وَالعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِيْنَ، .. وَأشْهَدُ أَن لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيْكَ لَهُ وَلِيُّ الصَّالِحِيْنَ، وَأشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ إِمَامُ الأَنبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِيْنَ، وَأَفْضَلُ خَلْقِ اللهِ أَجْمَعِيْنَ، صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلاَمُهُ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِيْنَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ.أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ الله:
فاتقوا الله واعلموا أن حب الوطن لا ينبغي أن يتوقف عند حدود المشاعر والعواطف الجياشة بل لابد أن يتمثل سلوكاً صالحاً نافعاً , .. فكونوا يا عباد الله قدوة لغيركم في المواطنة الصالحة وقدوة لأسركم وأهلكم وجيرانكم ولا تنتظروا المبادرة من غيركم فالمم التي نهضت إنما نهضت بإدارة أصحاب الهمم العالية والمبادرات الفاعلة والمشاريع المبدعة والأفكار المستنيرة ..
ولهذا عمروا الأرض والأوطان بطاعة الله ومرضاته والإخلاص له سبحانه وتعالي ..
أخوة الإسلام
**من قيم الانتماء وحب الأوطان
المواطنة :والعمل على إبراز قيمة الوحدة الوطنية وجعلها هدفًا يعمل الجميع على تحقيقه والمحافظة عليه، كما أن قيمة التسامح جزء مهم من قيم الانتماء الوطني؛ لأن من يعيش على أرض الوطن له الحق في المشاركة في بناء حضارته والمساهمة في التفاعل مع مجتمعه.
**ومن قيم الانتماء وحب الأوطان
الأمن والأمان : ويعد الحفاظ على الأمن جزءًا مهما من الانتماء الوطني للفرد والمجتمع حيث إن المواطن يعيش على أرض هذا الوطن ويعمل على الحفاظ على أمن الوطن الفكري والأمني والاجتماعي والاقتصادي.
**ومن قيم الانتماء وحب الأوطان
تعليم الأبناء حقيقة الانتماء:
فحبّ الوطن هو أهمّ شيء في الوجود، لابدّ أن نغرسه في أطفالنا من الصّغر، نعلّمهم كيف يحبّوه، ويضحّوا من أجله. فينبغي أن يعمل المسجد والتعليم والإعلام وجميع المؤسسات التربوية على تنمية الانتماء الوطني لدى النشء من خلال الآتي:
غرس الانتماء إلى الوطن لدى الطالب لأنه أحد دعائم بناء الفرد والمجتمع، واعتبار الفرد جزءا منه ومعرفة الأحداث الجارية في الوطن والتفاعل معها إيجابياً.
طاعة ولاة الأمر وهذه قيمة مهمة تعمل على تعريف الطلاب واجباتهم تجاه ولاة أمرهم ووجوب طاعتهم والعمل على المساهمة في بناء تنمية الوطن.والمشاركة في شؤون المجتمع والتبرع من والتضحية من أجله .
الاهتمام بالآخرين، ويظهر ذلك من خلال الاهتمام بالطالب وعائلته والتفاعل مع جيرانه ومجتمعه.
الالتزام بالسلوك الجيد والأخلاق الحميدة، ويظهر ذلك في جميع المواد الدراسية التي تعمل على غرس القيم الإسلامية وتنميتها لدى الطلاب.
القدرة على امتلاك المعارف والمعلومات عن أنظمة الوطن ولوائحه، وعن مؤسسات المجتمع المدني والأمني.
القدرة على مناقشة الفِكَر والآراء بشكل علمي سليم من أجل تزويد الفرد بالكثير من المفاهيم والاتجاهات الإيجابية.
احترام عادات وتقاليد الوطن وتقدير مؤسساته واحترام أنظمته والمحافظة على ثرواته.